إحتكار شركة الإتصالات للمسابقات المحلية السعودية .. إلى أين؟

كلنا راقبنا بإنتباه تفاصيل المؤتمر الذي أُعلن من خلاله تحصل شركة الإتصالات السعودية على حقوق المنافسات المحلية لكرة القدم مقابل 6 مليار و 600 مليون ريال سعودي و هو مبلغ ضخم للغاية يعتبر الأكبر على الإطلاق بتاريخ الرياضة السعودية ، التساؤل الذي راود الكثير من المتابعين لوسائل الإعلام العربية و الإقتصاد المحلي بالمملكة حينها كان التالي ، ما هي الفائدة الإقتصادية التي ستعود على الشركة المالكة للحقوق إن لم تتخذ الخطوة التي توقعناها جميعاًِ و هي تشفير المسابقات المحلية السعودية في حال إصرارها على إحتكار النقل؟

المشاكل التي تبعت ذلك كثيرة و يطول ذكرها ، و لكني كغيري من المتابعين لم أفهم سر التأخر بالإعلان عن العروض و الباقات التي وعدت بها شركة الإتصالات المواطن السعودي الراغب بالإشتراك؟ إلى درجة أن حفل تدشين الدوري السعودي أقيم بالفعل ساعات قبل أن تعلن الشركة المالكة للحقوق عن خططها لنقل المسابقة؟ ما أدهشني أكثر هو إدعاء الشركة بأن المواطن السعودي سيتمكن من مشاهدة المباريات بشكل مجاني عبر تطبيق دوري بلس ، و كأن الإتصال بالإنترنت مجاني؟ هذا دون ذكر سرعة الإنترنت التي لا تؤهل أصلاً على مشاهدة مباريات مباشرة دون تقطيع!!

إسمحوا لي أن أفيدكم من هذا الجانب ، فقبل عدة سنوات واجهتني ذات المشكلة أثناء تواجدي بأستراليا ، تحصلت شركة إتصالات محلية تدعى أوبتس على حقوق الدوري الإنجليزي الممتاز مقابل مبلغ خرافي لتخطف الحقوق من شبكة فوكستيل التلفزيونية التي نقلت البطولة لسنوات بشكل إحترافي للغاية ، عندها أقدمت أوبتس على أخطاء مشابهه لتلك التي يبدو أن شركة الإتصالات السعودية في طريقها لإقترافها ، بكل بساطة أرغمت المواطن الأسترالي على الإشتراك بأحد باقاتها ليتابع الحدث ، و من لم تتملكه رغبة تغيير شركة الإتصال وجب عليه شراء جهاز إستقبال و دفع قيمة إشتراك سنوي بمبلغ ليس بالسهل ، هذا أو دع عنك مشاهدة الدوري الإنجليزي و إشغل نفسك بأشياء أخرى!

ما حدث حينها بكل بساطة أن المواطن الأسترالي رفض الرضوخ لعملية الإبتزاز التي بدت واضحة حينها ، إنطلقت المسابقة و بدأت الأصوات تتعالى و الإعتراضات تكثر ، فلم يسبق للأستراليين و أن طُلب منهم مشاهدة مباريات كرة القدم المفضلة لديهم على شاشات الهواتف النقالة ، لقد كانت الفكرة بحد ذاتها مرفوضه و البديل باهض الثمن ، أسابيع من الضغط المتواصل أمام جشع أوبتس و تدني نسب الإشتراكات أرغمها فيما بعد على بيع حقوق بعض المباريات للقنوات المحلية الأسترالية ، و بذلك عادت متعة الدوري الإنجليزي للشاشات مرة أخرى رغم تعنت الشبكة المالكة للحقوق.

بطبيعة الحال إن كنت عزيزي القاريء تعتقد بأن المثال الأسترالي سيتكرر هاهنا بالمملكة العربية السعودية فأنت مخطيء لسبب بسيط ، طبيعة المجتمع الذي يجمعنا بالمملكة و قصر نطاق التحمل و حدة العناد بشخصياتنا سيضع المواطن السعودي بحالة تأهب و إستنكار لمثل هذا التصرف من قبل شركة الإتصالات التي إرتكبت خطأً إستراتيجياً سيدر عليها خسائر منتظرة إن لم تتفادى بكل إحترافية و تعقل الموجة الجارفة المتجهه نحوها ، صوت المواطن السعودي وصل بكل شفافيه و وضوح من خلال وسائل التواصل الإجتماعي بالأيام الماضية ، قرار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإتاحة المشاهدة المجانية لجميع مواطني المملكة كان قراراً حاسماً لا يمكن تأويله ، تأكيد سعادة المستشار تركي آل الشيخ لوجوب سريان القرار بلا تأخير لابد و أنه لخبط أوراق شركة الإتصالات التي كانت تعتقد بأنها أذكى منا جميعاً! كيفما قلبت هذه الأحداث لا يمكنني إلا و أن أعتبر ما قامت به شركة الإتصالات سقطة بالمنظور الإقتصادي أولاً و المجتمعي ثانياً.

بنهاية المطاف ستنقل المسابقات المحلية السعودية بشكل مجاني على شاشات التلفاز ، و عندما تهدأ هذه الغبرة ستكتشف شركة الإتصالات أنها خسرت أكثر بكثير مما يمكن تصوره بسبب تذاكيها و جشعها و إصرارها على الإحتكار الغير مبرر لمسابقة محلية أُريد لها أن تولد من جديد هذا العام لتدخل دائرة أوسع ما بين أبرز مسابقات كرة القدم على مستوى آسيا و العالم ، على الصعيد المالي على شركة الإتصالات أن تبدأ بفتح مفاوضات جادة مع القنوات الراغبة بالنقل لأنها ستكون فرصتها الوحيدة لإستعادة بعض من تلك الأموال التي صرفت للحصول على حقوق النقل ، أما الإصرار على إحتكار المسابقات المحلية السعودية و تشفيرها فستكون نهايته مظلمة للشركة و الرياضة السعودية ككل.