مالكوم تورنبول يستقيل إنتقاماً لنفسه

لأولئك الذين أقدموا على دراسة العلوم السياسية أو شائت الأقدار أن تتملكهم رغبة جامحة بالقراءة و الإطلاع على ذلك العالم المجنون الذي لا يعترف بأخلاقيات أو أسس معينة كما أُريد لنا أن نعتقد من المقررات التي حُقنت بأدمغتنا بالمعاهد و الجامعات عن عالم يبدو بسيطاً بظاهره غير أنه بالحقيقة مليء بالتناقضات ، فصديق اليوم قد يكون عدو الغد و العكس صحيح ، و قد تتكرر هذه الدائرة السياسية الغير ثابتة المواقف لأكثر من مرة مع ذات الشخصيات فيما بينها دون أن تثير إستغراب المتابع البسيط الذي تشبع من هذه التناقضات حتى باتت أمراً طبيعياً غير جدير بلفت الإنتباه.

قبل عدة أيام شهدت أستراليا هزة سياسية جديدة حيث صوت الحزب الليبرالي المحافظ لإزاحة رئيس الوزراء مالكوم تورنبول من منصبه و تعيين سكوت موريسون بدلاً منه بعد أسابيع من الإنتقادات و الإستقالات بالحكومة الأسترالية التي بدت مهزوزة منذ بداية العام الحالي ، تورنبول الذي قاتل للحفاظ على منصبه بالأسابيع الأخيرة تعرض لهجمات متواصله من قبل أعضاء حزبه الغير راضين عن أدائه ليسقط بنهاية المطاف كرابع رئيس وزراء تتم الإطاحة به منذ عام 2010.

و لأنه إعتبر ما حدث له خيانة لشخصه و سجله السياسي ، أقدم تورنبول اليوم الجمعة على خطوة قد تساهم بقلب موازين الحكم بأستراليا على المدى القصير على أقل تقدير بتقديمه إستقالته من البرلمان الأسترالي ، هذه الإستقالة حسب الدستور الأسترالي تعني خلو أحد مقاعد البرلمان مما يعني بالضرورة إجراء إنتخابات خاصة لشغر هذا المقعد بأسرع وقت ممكن ، أهمية هذا المقعد تكمن بأغلبية المقعد الواحد التي يتفوق بها الحزب الليبرالي المحافظ على حزب العمل ، خسارة مقعد تورنبول سيعني سيطرة حزب العمل على أغلبية المقاعد و بالتالي أحقية إختيار رئيس وزراء جديد.

مالكوم الذي كان يُعتبر منذ أيام قليلة مضت رئيس الحزب الليبرالي المحافظ كونه رئيس الوزراء و صاحب الكلمة العليا بالبلاد إنتقم لنفسه أشد إنتقام رغم الأصوات التي طالبته بالحفاظ على مقعده حتى موعد إنطلاق الإنتخابات البرلمانية بشهر مايو من العام القادم ، أي أنه بين يوم و ليله تحول من قائد الحزب إلى العدو الأول أو الشخصية التي قد تتسبب بقلب موازين الحكم بالبلاد ، إستقالة تورنبول قد لا تكون مؤثرة بشكل مباشر فيما إذا حافظ حزبه على المقعد بالإنتخابات الخاصة ، غير أن إقدامه على الإستقالة و إصراره على ضرب إستقرار الحزب قبل الإنتخابات البرلمانية القادمة أمر يؤكد على أنه فكر و قرر و أصر على رد إعتباره قبل التفكير بالأخلاقيات أو المباديء التي آمن بها و إنضم على إثرها للحزب الذي أوصله بيوم من الأيام لأعلى مناصب البلاد على الإطلاق.

مالكوم إتخذ قراره و إنتقم لنفسه من أولئك الذين طعنوه بالظهر حسب إعتقاده ، و لكنه بالوقت ذاته سيودع الحياة السياسية بالبلاد مغضوبٌ عليه من قبل جميع الأطراف و هو أمر مستغرب من سياسي يفترض أن يمتلك من الحنكه أكثر بكثير مما أظهر ، و يبقى التساؤل الأكثر أهمية مما سبق ذكره ، يا ترى كم سيدوم شغر سكوت موريسون لكرسي رئاسة الوزراء في ظل هذه الأجواء المشحونة؟

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: