افسَحُوا المجال.. لقد حان وقتُنا

تركزت دراسة تطور و تكيف الإنسان على مر العصور على حدة التغيير و طبيعة المتغيرات من حوله، حقب متتالية من الإنجاز و الفهم المتطور لطبيعة الحياة من حولنا ساعدت الإنسان على التقدم و الازدهار أكثر فأكثر مع مرور الأيام، و لعل أفضل من يمكن أن يدُلنا على هذا الطريق هم كُتاب و بُحاث التاريخ من أقوام سبقتنا، من كتاباتهم عرفنا أن الطريقة التي عاش بها الآشورييون على سبيل المثال تختلف عن الطريقة التي ازدهرت بها مصر القديمة بقيادة الفراعنة، و لكل حقبة من تلك الحقب أبناؤها الذين تعلموا من الماضي ليطوروا من أنفسهم و يرسموا خطاً أكثر وضوحًا لمستقبل أكثر إشراقًا.

اختلاف النظرة الإنسانية و الفكر الضمني للإنسان الأول بالأجيال المتعاقبة أدى بشكل مباشر لتطور البشرية، و لولا ذلك الحس الإبداعي و لولا تلك الرغبة الملحة  للتحسن و التطور بشكل مستمر لما وصل الإنسان اليوم لما هو عليه، لقد ارتقى الإنسان إلى درجات اعتبرتها أقوام سابقة خرافات من عالم الخيال قبل أن تتحقق، و بالرغم من كل ذلك لم يتوقف الإنسان يومًا عن الإبداع، ذلك الإبداع صاحبه بالضرورة تغيرات فكرية و عقائدية و مجتمعية ساهمت دائماً باختلاف ملموس للطريقة التي ينظر بها كل جيل للعادات و التقاليد المجتمعية و النظرة الفكرية و حتى العقائدية للجيل السابق، هذا الاختلاف الصحي لا يمكن إلا و أن يكون جزءًا لا يتجزأ من دائرة الحياة و تاريخ الإنسان على ذلك خير بُرهان.

كغيره من الاجيال السابقة يعيش “جيلي” الملقب بجيل الألفية منذ سنوات ذلك الصراع الفكري الاجتماعي العقائدي المُلح مع ما يلقب بالجيل X و هو جيل مواليد الفترة ما بين أعوام 1965 و 1975، و اسمحوا لي أن أقول بأن بؤرة جيل الألفية و هم مواليد الثمانينيات و بداية التسعينيات هم من يحملون راية التغيير اليوم بكل جرأة و تحدي، منطقياً أتى هذا التغيير بشكل تلقائي حيث أن جيل الألفية تحصل على مميزات تفوق تلك التي أُتيحت للأجيال التي سبقته، التقدم التكنولوجي و الانفتاح على الأمم التي سبقتنا بالتعليم و التقنية و انخراط نسبة لا بأس بها من أبناء هذا الجيل بالابتعاث و تلقيهم التعليم بأرقى الجامعات كلها أمور أدت لفتح آفاق جديدة بنظرة مستقبلية أكثر ازدهاراً، لم يعد العالم اليوم منطوياً على نفسه كما كان قبل 40 إلى 50 سنة مضت، لقد بات التعليم سلاحاً تحارب به الأمم بعضها لبسط الهيمنة الاقتصادية و الفكرية كلٌ بمنطقته، و من هذا المنطلق يبدو جيل الألفية أكثر انفتاحًا و جرأة لإحداث التغيير بأسرع وقت ممكن.

هذا التغير المرجو الذي ينطوي تحت سلسلة التغييرات الصحية لأي مجتمع على كوكب الأرض من الطبيعي أن يواجه بالكثير من الرفض من قبل أجيال اعتادت على أسلوب حياة معين تسيره عادات و تقاليد يرفضون كسرها، غير أن دائرة الحياة ستستمر بالدوران لتحمل هذا التغيير و تجعل منه حقيقة لا يمكن إنكارها.

 أرجوكم اعلموا أن “جيلي” جيل الألفية تقع على عاتقه مهمة إحداث تلك النقلة النوعية التي ستغير من أسلوب حياتنا و تحسن من طريقة تفكيرنا و تجعلنا نتطلع لأفضل مما نحن عليه، إنها بكل بساطة مهمة مقدسة نحملها على عاتقنا و نحن على علم تام بأننا نعد العدة لنقلة نوعية أكبر سيحدثها الجيل الجديد الذي سيعقبنا، ذلك الجيل الذي سيغير من أسلوب حياة الإنسان بشكل كلي على سطح الأرض بل و قد ينقل الإنسان إلى عوالم أخرى، الطريقة التي عاش بها أجدادنا تختلف عن تلك التي عاشها آباؤنا، و الطريقة التي سنعيش بها بلا شك ستختلف عن تلك التي عاشها من سبقنا، العادات و التقاليد المجتمعية ستتطور بنواحي و تنكمش بنواحي أخرى مع مرور الوقت و هو أمر لا مفر منه مهما كانت نسبة الرافضين لذلك، إنها طبيعة الإنسان على مر العصور و لن نكون نحن بكل تأكيد من نضرب تلك القاعدة عرض الحائط، الانفتاح على الأمم الأخرى طور كثيرًا من نظرة جيلي الفكرية و هو ما سيفتح لنا آفاقًا جديدة حدودها السماء.

من حق الأجيال السابقة أن تمتعض من سرعة التغيير، و لكن ذلك الامتعاض و إن أخذ بعين الاعتبار لن يمنع جيلي من المضي قدمًا مهما كلف الثمن، فمن ناحية ليس هنالك وقت كافي لإضاعته، و من ناحية أخرى يجدر بنا أن نفكر منذ الآن بالطريقة التي سيعيش بها أبناؤنا من بعدنا، نحن قادرون تماماً على إحداث نقله نوعية بأسلوب حياتنا نحو الأفضل على مختلف الأصعدة، بعض التغييرات قد لا يتقبلها الجميع و قد لا يتكيف معها الجميع و لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم صحتها أو جدوتها على المدى الطويل، مع مرور الوقت سيكون لنا عاداتنا و تقاليدنا الخاصة و لمستنا المجتمعية الخاصة و رؤيتنا الخاصة و فكرنا المعاصر الخاص، و مع كامل التقدير لأجيال سبقتنا اسمحوا لنا بهذه المساحة فقد حان وقتنا.

6 comments

  1. جميل جدا كعادتك يا صديقي

    اتفق معك بكل ما ذكرت، هذا بالفعل وقت جيلنا لإحداث نقله نوعية تحملنا صوب مصاف الأمم المتقدمة

    Liked by 1 person

  2. أستاذ محمد

    اتفق معك بكل ما ذكرت، لقد لمسنا بالفعل هذا الامتعاض الذي ذكرته من قبل الجيل الذي ذكرت و حتى بداية جيل الألفية و لا زال، طبعا مقالك عميق و لا اعتقد للأمانة ان الجميع سيفهم أهمية ما ذكرت لكن كلي أمل بأن يستمر جيل الألفية بالعطاء و التغير و الانفتاح الثقافي الفكري على الآخرين

    شكرا لك على مقالك و اتمنى ان تزورنا قريبا

    Liked by 1 person

  3. ربما نتعرض نحن النساء لهذا الامتعاض اكثر من غيرنا خصوصًا بعد سقوط الولاية و غيرها من القرارات، اتفق معك بأن جيل الألفية يدعم النقلة و الجيل السابق يتملكه قلق بهذا الشأن لكن كما ذكرت هذا الامتعاض لن يمنعنا من المضي قدمًا.

    شكرًا لك على كلماتك التي استمتع بها شخصيًا بكل مرة، و انا كنت من متابعيك بالمنتديات و حاليا أتابعك بتويتر

    استمر محمد قلمك جميل

    Liked by 1 person

    1. شكرًا على مرورك أسماء، متابعتك تسعدني بلا شك

      الامتعاض الذي تتعرض له النساء بالآونه الأخيرة لن يغنيكن عن التطور و الازدهار و ممارسة حقوقكن المنصوص عليها بالقانون، أتمنى لك التوفيق دائمًا و أبدًا

      Liked by 1 person

Leave a comment